ملاحظات...
حول أسئلة امتحانات شهادة التعليم المتوسط...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الأستاذ والإعلامي عبد الوهاب جعيجع
إن ما تضطلع به المدرسة من دور في تنشئة الأطفال، و من أهمية في بناء المجتمع و حماية نسيجه و تفاعلاته، من جهة. و من جهة ثانية، ما تشهده استراتجية الاستعمار من تحول، في انتقاله من الهيمنة المباشرة على الموارد و الثروات، إلى هيمنة جديدة تستهدف العقول و الأفكار، لتحقق في غايتها و بشكل دائم و بتكاليف أقل الهدف الأول "الهيمنة على الموارد و الثروات" ... يجعلنا نعتقد أنه من اللازم و من الضروري فتح نقاش دائم حول المنظومة التربوية و في كل المستويات، خاصة عند المواعيد و الاستحقاقات التربوية، ما يمكن من وضعها تحت عين المجتمع الناقدة و المراقبة.
المنهجية التي بُنيت عليها أسئلة امتحانات شهادة التعليم المتوسط لهذه السنة 2018، تدفعنا إلى استرجاع النقاش الذي دار حول مسابقة توظيف الأساتذة قبل عامين 2016. في اختبار المواد العلمية، نتذكر أسئلة "غسالة أم محمد"، " سبب حدوث الصدمة الكهربائية"، و "كيف يتم تحريك الغسالة الكهربائية!؟".... و هي الأسئلة التي نالت الكثير من السخرية و الامتعاض، و لاقت الكثير من النقد، للمستوى العلمي من جهة، و للضبط المنهجي من جهة أخرى...
وُصفت الأسئلة بالعمومية و عدم الدقة، و بالضبابية و عدم الوضوح، و بضعف مطالباتها للمعارف الأساسية الدقيقة و المضبوطة، و وقوعها في فخ التأويل و تعدد الإجابات... و هي الشروط الأساسي لبناء أسئلة محكمة علميا و مضبوطة منهجيا. أُتهم وقتها القائمون على المسابقة بالارتجال و الحشو ...
تتبع الأسئلة المتلاحقة، خاصة أسئلة امتحانات شهادة التعليم المتوسط لهذه السنة 2018، يمكننا من إبداء الملاحظات التالية:
- النزوع نحو الإجابة المختصرة، و الابتعاد عن الإجابات الوافية و الكاملة. و هو ما يلاحظ جليا في أسئلة مادة الفيزياء.
- الابتعاد عن المطالبة بالمعارف الأساسية الدقيقة و المضبوطة، التي تشكل قواعد و أساسيات التعليم للطور اللاحق، و الاكتفاء بالقشور و العموميات، و مثالها ما يظهر جليا في الوضعية الإدماجية لامتحان العلوم الطبيعية. مما يجعل التلاميذ في تحضيرهم في السنوات القادمة يبتعدون عن ما هو أساسي لصالح ما هو ثانوي.
- تحول مادة الرياضيات من فضاء لتحصيل الأدوات المنطقية و الحسابية و الهندسية لغرض التفكير و التحليل و التركيب، الى فضاء لعمليات حسابية تبتعد شيئا فشيئا عن تحصيل الأساسيات، خاصة في انكماش فضاء الهندسة لصالح الحساب.
- استخدام السندات بشكل كثيف و غير دقيق. عوضا أن تكون تلك السندات مفاتيح معرفية تساعد التلميذ و تحفزه على صب ما يمتلكه من معارف و معلومات في الموضوع، تعمل على أسر تفكيره و جعله تائها متنقلا، في محاولة الربط بينها.
- استخدام أسئلة تطلب الرأي و تقديم النصائح، و هي أسئلة تبعد التلميذ عن امتحانه في ما تلقاه من معلومات أساسية، و تسحبه نحو مساحة من التفلسف و الحشو العام للمعلومات.!.
- وقوع الكثير من الأسئلة في فخ التأويل و إمكانية تعدد إجاباتها، مما يجعل التلميذ في ضبابية و حيرة لتوظيف ما اكتسبه خلال تمدرسه من معلومات.
- ضعف منهجي من ناحية الشكل، في توزيع نص الأسئلة على الورقة، و هو ما أنتج تقطيع غير منسجم للتمارين بين الصفحات. مثال ذلك تقطيع التمرين الرابع لامتحان الرياضيات بين صفحتين، مما يمكن أن يؤدي ببعض التلاميذ إلى القفز على الجزء الثاني.
من خلال تكرار نفس الملاحظات من استحقاق تربوي لآخر، و ازدياد و ترسيم تلك الأخطاء من موعد لآخر، يمكن القول أن الإشكال ليس في الارتجال أو الحشو، و لا في وجود كفاءات تربوية تضطلع بمهام وضع الأسئلة و امتحان التلاميذ... و لكن الإشكال هو كارثة لمنهجية دقيقة و مضبوطة، تعمل على فرض كثير من العمومية و القشور على البرامج و الامتحانات، و الابتعاد عن المعارف الأساسية و المضبوطة التي تضمن للتلميذ قاعدة علمية صلبة، تمكنه من البناء عليها في الأطوار التعليمية اللاحقة.
*هذه الملاحظات ليست إلماما بكل ما كان حول هذه الامتحانات، و لكنها عينات و أمثلة، لإثارة الاهتمام و الدفع نحو فتح نقاشات جادة و مسؤولة حول الموضوع.
عبدالوهاب ج.